ربع قرن على رحيل الفقيد ادريس البارزاني

رحيل القائد الشجاع والمناضل الصلب ادريس البارزاني. اذ فجع شعبنا الكوردي وحركته التحررية وحزبنا الديمقراطي الكوردستاني ومعه الأوساط والقوى الوطنية الخيرة بهذا الحدث الأليم.
في ذلك اليوم هوى الفقيد شهيداَ، وصعدت روحه الطاهرة الى رحاب العرش العظيم، ففقدت الأمة ابناً باراً ملؤه الحيوية والتجارب التي أكتسبها في اتون الكفاح الشاق والمرير عبر أربعة عقود.
ولد الفقيد أدريس بقرية بارزان عام 1944 مسقط رأس العديد من المناضلين الذين تحملوا القسط الأعظم من مسؤولية قيادة مسيرة الكوردايتي. وترعرع في خضم الآم الجماهير ووسط حالة من المظالم والقهر جعلت منه خنجراً كوردياً حاداً يهابه الأعداء، محملاً برؤى ثاقبة وأفكار نيرة اقلقت مضاجع الحكام المستبدين، وقضى السنوات الأولى من عمره مثقلاً بالهموم تنتقل أسرته بين المدن العراقية قسراً وحرم من حنان الأبوة وهو في الثالثة إذ لجأ البارزاني الخالد الى الأتحاد السوفيتي وأختاره منفى له ولرفاقه مدة احد عشر عاماً.
بعد سقوط الملكية واعلان الجمهورية وعودة البارزاني تأزمت الأوضاع السياسية، فوجد شعبنا نفسه في مواجهة أضطهاد جديد تمثل في تراجع السلطة عن وعودها، وزج بكوادر وأنصار حزبنا في غياهب السجون والمعتقلات مما سبب أندلاع ثورة 11 أيلول التحررية أضطر الفقيد أدريس الى ترك الدراسة والألتحاق بالثورة شاباً يافعاً وقعت عليه مسؤوليات جسام منها أشرافه على العديد من المعارك الميداينة التي تكللت بالنصر أبرزها ملحمة هندرين عام 1966، كما وتحمل اعباء أدارة مكتب الرئيس مصطفى البارزاني الى جانب شقيقه مسعود البارزاني.
خلال المفاوضات التي توجت بأتفاقية 11 آذار عام 1970 كان الفقيد أدريس عضواً فعالاً في الوفد المفاوض وأدى دوراً هاماً في تثبيت بنود الأتفاقية المذكورة، كما كانت له محاولات جادة في رأب الصدع بين الحركة الكوردية والحكومة المركزية قبل أندلاع المعارك عام 1974 إذ سافر الى بغداد في مهمة أخيرة لوقف أنهيار العلاقات غير أن اصرار النظام السابق على الحل العسكري حال دون ذلك.
انتخب عضواً للجنة المركزية في المؤتمر الثامن للحزب المنعقد في تموز عام 1970 ثم عضواً في المكتب السياسي منذ عام 1976.
وكان قد بذل جهوداً كبيرة في أعادة اللحمة الى تنظيمات حزبنا في اعقاب النكسة التي حلت بشعبنا أثر أتفاقية الجزائر عام 1975، كما وله مواقف مشهودة في تشكيل القيادة المؤقتة وأستمرار الثورة حيث أشرف على القسم العسكري وتسنم مسوؤلية العلاقات العامة في ثورة كولان.
وشهدت تلك الفترة تقدماً ملحوظاً في تقريب وجهات نظر القوى السياسية العراقية والأحزاب الكوردستانية ويعود الفضل الى الفقيد أدريس من منطلق أن الأحتراب الداخلي يلحق أفدح الأضرار بالكورد وبسمعة ثورتهم في المحافل الدولية الى جانب اليأس والأحباط اللذين يمكن ان تصاب بهما جماهير شعبنا. وبذلك يعتبر بحق مهندس المصالحة وطي صفحة مؤلمة من تأريخ كوردستان.
على الصعيد الشخصي فأن كل الذين عرفوه عن كثب لاسيما ثوار أيلول وكولان، رأوه صديقاً قريباً يستمع اليهم ويتحسس آلامهم ويحل مشاكلهم متواضعاً بسيطاً يرفع الكلفة ويكن الأحترام الشديد للثوار متسامحاً الى أبعد مدى وشديداً قوياً على الأعداء والخونة.
ونحن اذ نستذكر فراق أدريس البارزاني، فعزاؤنا ان المسيرة التي لم يبخل عليها الفقيد بأجمل سنوات عمره، تتحرك الى امام ولاتتوقف، بل نها قاب قوسين او ادنى من بر الأمان.
فتحية الى ذكراه ويقيناً أنه يعيش في جنات الخلد وفي ضمير شعبنا الى أبد الآبدين.
" صوت الاخر"